[et_pb_section fb_built=”1″ _builder_version=”4.4.8″ custom_padding=”14px|||||”][et_pb_row _builder_version=”4.4.8″ custom_padding=”13px|||||”][et_pb_column type=”4_4″ _builder_version=”4.4.8″][et_pb_text _builder_version=”4.4.8″]

من مقاصد دين الله عز وجل في خطابه للإنسان وتأهيله للعمران، بناؤه وصناعته على أساس الربانية، وذلك بأن يكون ربانيا في شعوره وباطنه، وفي سمته وظاهره، وفي عبادته وطاعاته، وفي أخلاقه ومعاملاته، وأن لا يخرج من دائرة النسبة الربانية في مجموع مواقفه وتصرفاته.

[/et_pb_text][/et_pb_column][/et_pb_row][et_pb_row column_structure=”2_3,1_3″ _builder_version=”4.4.8″ custom_padding=”||0px|||”][et_pb_column type=”2_3″ _builder_version=”4.4.8″][et_pb_text _builder_version=”4.4.8″]

قال عز من قائل: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُوتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُؤةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تَعلَمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ}.
وإذا كان جوهر الدين يقوم على الربانية، ودعوة الأنبياء تتوخاها قصدا، وتتغياها أصلا وأساسا، فإن للرباني أوصافا وسمات بها يعرف ويتميز، فهو أخروي المقصد والرؤية، قانت لله سرا وجهرا، يتحرى أمره سبحانه في معاملته ومعاملة عباده، فهو مع الله بالصدق ودوام الحضور والنية، ومع الخلق برعاية مصالحهم باحتساب وتضحية.
وهو في أقل أحواله مأمون الجانب لا يُخشى من جهته إضرار بالناس ولا أذى.
ومن يتأمل أحوال المجتمعات في الماضي والحاضر في سائر البيئات والأماكن يعرف أنه لا يحصل أمن ولا سلام إلا بهذا النموذج وإلا كان الصراع والفتنة والفساد.

وللربانية مسالك أفصح عنها القرآن الكريم لبيان خارطة الطريق إلى الله على أساسها، نذكر منها: التقوى، والإرادة، والقنوت، والصدق، والتراحم..
كما تدل على ذلك الآيات الآتية:
{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}
{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}.
{أَمَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}.
والمفهوم الذي يجمع هذه المعاني كلها بناء على استقراء دلالات القرآن المجيد هو “الاستقامة”، التي يقتضي وجودها وجود كل الأوصاف المذكورة، فهي التجلي الأمثل للصدق والنية والتقوى والعدل، وهي مظهر إرادة الله والقنوت له والخضوع.

[/et_pb_text][/et_pb_column][et_pb_column type=”1_3″ _builder_version=”4.4.8″][et_pb_testimonial author=”الدكتور محمد بنكيران” job_title=”عضو المجلس العلمي المحلي للعرائش” portrait_url=”https://siraj.ma/wp-content/uploads/2020/05/Fen2.jpg” _builder_version=”4.4.8″ body_text_color=”#ffffff” body_font_size=”20px” author_text_color=”#000000″ author_font_size=”15px” position_text_color=”#000000″ position_font_size=”11px” background_color=”#0da0c5″ hover_enabled=”0″ border_width_all_portrait=”3px” border_color_all_portrait=”#ffffff” box_shadow_style_image=”preset1″ body_line_height=”1.8em”]

إن للرباني أوصافا وسمات بها يعرف ويتميز، فهو أخروي المقصد والرؤية، قانت لله سرا وجهرا، يتحرى أمره سبحانه في معاملته ومعاملة عباده، فهو مع الله بالصدق ودوام الحضور والنية، ومع الخلق برعاية مصالحهم باحتساب وتضحية

[/et_pb_testimonial][/et_pb_column][/et_pb_row][et_pb_row _builder_version=”4.4.8″ custom_padding=”10px|||||”][et_pb_column type=”4_4″ _builder_version=”4.4.8″][et_pb_text _builder_version=”4.4.8″]

وهذا يعني أنها المرتكز الأعظم للربانية، وأنها أسمى مطالب الدين وأعلى مقاصده.
وتركيز المفاهيم الكثيرة في مفردات جامعة هي إحدى المعالم الأساسية لمنهجية القرآن الفريدة التي تحتاج إلى فهم وفقاهة.
وقد ورد الحض على الاستقامة والأمر بها في أكثر من موضع في القرآن الكريم، وبسياقات مختلفة، وذلك كقوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ}.
وقوله: {قُل اِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمُ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ}.
وقوله عز من قائل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ، نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ}.
وقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
وقوله: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا، لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا}.
وفي السنة النبوية التي هي شرح للقرآن بيان تفصيلي للاستقامة بحيث لا يعرف معناها إلا بها.
والاستقامة كلمة جامعة كما تقدم، تشتمل على معاني طاعة الله تعالى والقيام بأمره، والالتزام بأحكامه، والقيام على حدوده وحمى تكاليفه، بها ينتظم أمر الأمة المسلمة أفرادا وجماعات، وبهديها تنضبط الأقوال منهم والأفعال والسلوكات.
هي مظهر للخضوع الكامل للواحد الديان، بما تقود إليه من التجرد من الأهواء الشخصية، والرغبات الذاتية، فلا مراد للنفس يحركها سوى مراد الله، ولا غاية توجهها إلا رضوان الله.
فاستقم كما أمرت، لا كما تريد وتهوى..
فاستقم كما أمرت، ولو خالف ذلك مزاجك وميولك..
استقامة تستعين عليها بالدعاء إلى الله واللجوء إليه بقولك: “اهدنا الصراط المستقيم”، والصراط المستقيم هو صراط القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم، الجامع لهدايات وبيِّنات الدين القيم.
وعلى هذا يكون من اللازم معرفة الأوامر الربانية مقرونة بالإيمان الصادق والرضا التام بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، فلا تتصور الاستقامة في حال كان ذلك ضعيفا أو ضئيلا، وتأمل العبارة الدقيقة في قوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا”، فلم يستقيموا إلا بعد الإيمان بل الاعتزاز بهذا الإيمان إلى درجة الإعلان المدَوِّي في الناس أن الله هو ربهم ومحبوبهم، يربيهم بأحكامه، ويُكمِّلهم بتكاليفه، كما يغذوهم بنعمه وآلائه.
وبنفس هذا التعبير جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك فيما رواه الإمام مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك، قال: قل آمنت بالله فاستقم”.
فإذا تحقق الإيمان على هذا النحو كان أول ما يجب على المرء تحصيله العلم بحقيقة الاستقامة وحدودها، ومعرفة مطالب الشريعة وتكاليفها، والتي هي مستوعبة للظاهر والباطن، ومتضمنة للأقوال والأفعال وما بين ذلك.
فيدخل في الاستقامة بهذا الاعتبار أعمال الجوارح من السمع والبصر واللسان واليد والرجل.. وكذا أعمال القلوب والضمائر، إذ القلب يكسب كما تكسب الأعضاء، فلزم أن يتقيد بقيود الاستقامة، قال الله تعالى: “إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا”، وقال عليه الصلاة والسلام: استحيوا من الله حق الحياء فقال الصحابة: يا رسول الله إنا نستحيي والحمد لله، قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء”.
فحفظ الرأس وما وعى يدخل فيه كل ما يجمعه من الحواس البادية والخفية، وحفظ البطن وما حوى يقتضي استقامة ما يتصل به من القلب والفرج واليدين، إضافة إلى ما يدخل البطن من الطعام والشراب.
فهذه الجوارح والأعضاء هي مداخل المعصية إلى الإنسان، وهي لا تعمل إلا بباعث الشهوة، فللعين شهوة، وللبطن شهوة، وللفرج شهوة وهكذا..
فلا يُقدر على الاستقامة إلا بلجم هذه الشهوات، والصبر على مكروه تركها ومفارقتها، فمن فعل ذلك كان جزاؤه الجنة مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: “حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات”، وقال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه البخاري: “من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة”، أي لسانه وفرجه.
وهذا أمر يحتاج إلى مجاهدة طويلة الأمد تستغرق العمر كله، بليله ونهاره، وجلواته وخلواته، وتستوعب الشهوات كافة بلا استثناء، مع الترقي الدائم من الكبير إلى الدقيق، ومن الدقيق إلى الأدق، حتى تتم للإنسان الهداية، ويمد من الله بكامل الاستقامة، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.
ولقد لفت الفضيل بن عياض رحمه الله الانتباه إلى صعوبة الصبر على أقل هذه الشهوات وهي شهوة اللسان فقال: “ما حج ولا رباط ولا جهاد أشد من حبس اللسان، ولو أصبحت يهمك لسانك أصبحت في هم شديد”.
وبالنطر إلى هذه المجاهدة الشديدة التي يتوقف عليها وجود الاستقامة فإن أمرها يحتاج إلى تعاون وتكافل بين أفراد الأمة المسلمة كافة، يأخذ كل منهم بيد الآخر، فيعينه على إقامة حدود الله، ويرشده بالتي هي أحسن إلى الأقوم والأصلح، امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: “مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا”.
ثم إن الاستقامة في حاجة ماسة إلى ما يضمن وجودها أولا، ثم استمرارها في الظاهر والباطن، والسر والعلن ثانيا، وهذا الضامن لا يتحقق إلا بأمر واحد هو أحد عناصر الإيمان وأركانه، وهو شهود العبد رقابة الله له، وملاحظة علمه وإحاطته ومعيته ونظره إليه، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}.
قال رجل للجنيد رحمه الله: بم أستعين على غض البصر؟ فقال: بعلمك أن نظر الناظر إليك أسبق من نظرك إلى المنظور إليه.
فلو أننا تحققنا بهذا المقام وشهدنا في كل وقت نهُمُّ فيه بالمعصية نظر الله إلينا، وقدرته علينا، مع تطويقه إيانا بسابغ نعمه وفيض آلائه، لما تجرأنا على عصيانه، ولصارت الاستقامة لنا سلوكا ثابتا مستقرا نرقى درجاتها الواحدة تلو الأخرى، بعد أن نعيش في الدنيا حياة آمنة سليمة، لا بغي فيها ولا عدوان، ولا تسلط ولا طغيان، إذ الطغيان هو الآفة المقابلة للاستقامة، وهو مجاوزة الحد في الأمور إلى درجة الظلم والاعتداء، الذي كما يكون في علاقة الإنسان بربه، يكون في علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، بل هو في هذا المجال أشهر وأكثر، قال عز من قائل فيما يرويه عنه نبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم: “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا”.
ولهذا المعنى ورد الأمر بالاستقامة مقرونا بالنهي عن الطغيان في قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
فلا ينبغي أن نتصور أو نحصر الاستقامة في المجال الفردي، وإنما لابد من تعميمها على المجتمع في علاقات الناس بعضهم ببعض، حتى ينعموا بالأمن والسلامة والاستقرار والأمان، وتتحول الاستقامة بذلك إلى عامل سعادة في الدنيا والآخرة.
وآنئذ نكون قد فقهنا من الآية معناها على الوجه الكامل والصحيح.

[/et_pb_text][/et_pb_column][/et_pb_row][/et_pb_section]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *