اختلف العلمــاء في الوقت الذي يؤمــرون فيـه بالصيـام: أمـر وجوب أو أمــر استحباب.
1 ـ أما أمرهم أمر وجوب، فقول عند البلوغ والآخر عند القدرة عليه وإطاقته.
2 ـ أمرهم أمر استحباب، أنهم يؤمرون به للتمرين عليـه إذا أطاقوه.
لا خلاف بين العلمـاء، أن الصبي يثاب على ما يفعله من الطاعـات، ويعفى عما يجترحه من السيئـات، وأن عمـده كالخطأ.
المحور الأول: الأصل في تدريب الناشئة على الصيام
تعاليم الشرع تأمر بتدريب الناشئة على أداء العبادات والطاعات فيثابون عليها كما يثاب الكبـار…
المحور الثالث: الحكمة من أمرهم بالصيام.
الحكمة في ذلك التمرين على أداء الفرائض والعبادات، وترسيخها في أذهانهم
المحور الرابع: هل يثابون على صيامهم وعباداتهم؟
تعاليم الشرع تأمر بتدريب الناشئة على أداء العبادات والطاعات فيثابون عليها كما يثاب الكبـار.
ومن الخطـأ الذي يتحمل تبعته الآباء والأمهــات إهمال الصغار حتى يبلغوا دون أن يدربوا على أداء الفرائـض والطاعــات، فإذا أمروا بها بعد البلـوغ، كان أثقل من الجبال على كواهلهم، وما أصـــدق ما قــال الشاعر:
وينفع الأدب الأولاد في صغر *** وليس ينفع عند الشيبة الأدب
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت *** ولن تلين إذا قومتها الخشب
الأصل في تدريب الناشئة على الصيام
والأصـل في ذلك ما جاء في صحيح البخاري، ((باب صوم الصبيـــان)) وقال عمر رضي الله عنه: لنَشْــوان في رمضان: ويلـك وصبيــانُنا صيام “فضربــه وعن الرُّبيِّـع بنتِ مُعوِّذ قالت: أرسـل النبي صلى الله عليه وسلم غــداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطرا فليتمّ بقية صومه، ومن أصبح صائما فليصم، قالت فكنا نصومه بعد، ونصوِّم صبيانَنا ونجعل لهم اللعبة من العِهـن، فإذا بكى أحدهم على الطعـام أعطينـاه ذاك حتى يكون عند الإفطـار” وفي رواية لمسلـم: “ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن” وفي رواية له أيضا: “فإذا سألونا الطعــام أعطيناهم اللعبــة تـُلهيهم حتى يتمـوا صومـهم”.
وفي الحديث حجــة على مشروعية تمريـن الصبيان على الصيام، وقد فعله الصحابـة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا يُصوِّمـون صبياهم ويصنعــون لهم اللعبـة من العهـن (وهو الصوف) فإذا سألوهم الطعام أعطوهم تلك اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم، وما حكته الربيع بنت معوذ عن الصحابة حكمه الرفع ،لأن الصحيح عند أهل الحديث وأهل الأصول أن الصحابي إذا قـال: فعلنا كـذا في عهـد رسول الله كان حكمـه الرفع، لأن الظاهر اطلاعـه صلى الله عليه وسلم على ذلك، وتقريرهم عليـه مع توفر دواعيهم على سؤالهم إياه عن الأحكـام، مع أن هذا مما لا مجــال للاجتهــاد فيه، فما فعلوه إلا بتوقيف. كما وبّخ عمر رضي الله عنه الرجل النشوان: (كسكران وزنا ومعنى) لما رآه يشرب الخمر في رمضان، فقال له: “ويلك، وصبياننا صيام” ثم أمر به فضرب ثمانين سوطا.
متى يؤمرون بالصيام؟
اختلف العلمــاء في الوقت الذي يؤمــرون فيـه بالصيـام: أمـر وجوب أو أمــر استحباب.
1 ـ أما أمرهم أمر وجوب، ففيه رأيان لأهل العلم.
أ ـ عند البلوغ: قال ابن بطـال في شرح صحيح البخـاري: أجمع العلمـاء أنه لا تلزم العبادات والفرائض إلا عند البلوغ. وفي المدونة في صيام الصبيان، وسألت مالكا عن الصبيـان، متى يؤمرون بالصيـام؟ فقال: إذا حاضت الجاريـة واحتلم الغلام، قال: ولا يشبه الصيامُ في هذا الصلاةَ. وقد رفع القلم عنه كما في الحديث: “رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم”، رواه أحمد وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
ب ـ عند القدرة عليه وإطاقته. قال ابن الماجشون: إذا أطاق الصبيـان ألزموهم، فإن أفطروا لغير عذر ولا علة فعليهم القضاء وقال الأوزاعي: إذا أطاق صوم ثلاثة أيام تباعـا لا يخُور فيهن ولا يضعف، حمل على صوم رمضان. واحتــج بحديث في مصنف عبد الرزاق، عن ابن أبي لبَيْبة، عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا صام الغلام ثلاثة أيام متتابعة، فقد وجب عليه صيام شهر رمضان ” وهو حديث ضعيف لأن فيه ابن أبي لبيبة، قال ابن معيـن: ليس بشيء. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال أحمد: ليس بقوي. وهذا القول ضعفـه القاضي عياض فقال: وروي عن عروة أنهم متى أطاقوا الصوم وجب عليهم، وهذا غلط مردود بالحديث الصحيح: “رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم” وفي رواية “حتى يبلغ”.
2 ـ أمرهم أمر استحباب. قال ابن حجر في الفتح: واستحب جماعـة من السلــف منهم ابن سيرين والزهري، وقال به الشافعي: أنهم يؤمرون به للتمرين عليـه إذا أطاقوه. وحدَّه أصحاب الشافعي بالسبع والعشر كالصلاة، وحدَّه اسحق باثني عشر سنة، وأحمد في رواية بعشر سنين. وقال أشهب يستحب لهم إذا أطاقوه.
قال ابن حجر في الفتح: وأبلغ من ذلك ما جاء في حديث رزينة بفتح الراء وكسر الزاي، أن النبي صلى الله عليه وسلم “كان يأمر مرضعاته في عاشوراء ورضعاء فاطمة فيتفـل في أفواههم، ويأمر أمهاتهم ألا يرضعن إلى الليـل” أخرجـه ابـن خزيمة وتوقف في صحتـه، قال ابن حجر: واسنــاده لابـأس بـه، ثم قـال: وفي الحديث حجة على مشروعية تمرين الصبيان، لأن من كان في مثل السن الذي في الحديث فهو غير مكلف، وإنما صنع لهم ذلك للتمرين.
الحكمة من أمرهم بالصيام
فالحكمة في ذلك التمرين على أداء الفرائض والعبادات، وترسيخها في أذهانهم قال النووي في شرح مسلـم: وفي هذا الحديـث تمرين الصبيـان على الطاعــات وتعويدهم العبادات ولكنهم غير مكلفين، وقال ابن بطال: إلا أن كثيرا من العلماء استحبوا أن يدرب الصبيان على الصيام والعبادات رجاء بركتها لهم، وليعتادوها، وتسهل عليهم إذا لزمتهم.
هل يثابون على صيامهم وعباداتهم؟
لا خلاف بين العلمـاء، أن الصبي يثاب على ما يفعله من الطاعـات، ويعفى عما يجترحه من السيئـات، وأن عمـده كالخطأ. وذلك لما رواه مسلـم عن ابن عبـاس رضي الله عنهما قال: رفعت امرأة صبيا لها فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال: “نعم ولك أجر”، قال النووي: فيه حجة للشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء: أن حج الصبي منعقد صحيح، يثاب عليه، وإن كان لا يجزيه عن حجة الإسلام، بل يقع تطوعا.
قال ابن بطال في شرحه على صحيح البخاري: قال المهلب: وفي هذا الحديث (يشير إلى حديث الربيع بنت معوذ) من الفقه أن من حمل صبيا على طاعـة الله ودربه على التزام شرائعـه، فإنه مأجـور بذلك، وأن المشقة التي تلزم الصبيـان في ذلك، غير محاسب بها من حملـهم عليهـا.
قال ابن رشـد: أن الصغير لا تكتب عليه السيئات، وتكتب له الحسنات على الصحيح من الأقوال.
وقال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد: فإن قيل: فما معنى الحج بالصغير؟ وهو عندكم غير مجزي عنه من حجة الاسلام إذا بلغ، وليس ممن تجري له وعليه، قيل له: أما جري القلم له بالعمل الصالح، فغير مستنكر أن يكتب للصبي درجة وحسنة في الآخرة بصلاته وزكاتـــه وحجه وسائر أعمال البر التي يعملها على سنتها، تفضلا من الله عز وجل، كما تفضل على الميت بأن يؤجر بصدقة الحي عنه، ويلحقه ثواب ما لم يقصده ولم يعمله مثل الدعاء له والصلاة عليه ونحو ذلك، ألا ترى أنهم أجمعوا على أن أمروا الصبي إذا عقل الصـلاة بأن يصلي. وقد صلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنس واليتيم معه والعجوز من ورائهما، وأكثر السلف على ايجاب الزكـاة في أموال اليتامى، ويستحيـل أن لا يؤجـروا على ذلك، وكذلك وصاياهم إذا عقلوا، وللذي يقوم بذلك عنهم أجر، كما للذي يُحِجهم أجر فضلا من الله ونعمة فلأي شيء يحرم الصغيـر التعـرض لفضـل الله. اهـ كما وجد. وفي سنـن النسـائي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “جهاد الكبير والصغير والضعيف والمرأة، الحج والعمرة”.
أقوال العلماء في صيام الأطفال
جاء في المدونة: وسألت مالكا عن الصبيـان، متى يؤمرون بالصيـام؟ فقال: إذا حاضت الجاريـة واحتلم الغلام، قال: ولا يشبه الصيامُ في هذا الصلاةَ.
قال القاضي عياض: وروي عن عروة أنهم متى أطاقوا الصوم وجب عليهم، وهذا غلط مردود بالحديث الصحيح: “رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم” وفي رواية “حتى يبلغ”.
قال ابن بطال: إلا أن كثيرا من العلماء استحبوا أن يدرب الصبيان على الصيام والعبادات رجاء بركتها لهم، وليعتادوها، وتسهل عليهم إذا لزمتهم.