إن الثبات على مبدا التوحيد الأصيل الذي جاءت به الرسالات السماوية، يقتضي الالتزام بجوهر ما يرتبط به من قيم إيمانية أخلاقية حضارية، في نطاق من التوازن والشمول ينسجم ووسطية الدين الإسلامي.
و”لا إله إلا الله” تعني في جوهرها ثبوت الإذعان لله تعالى، وإحياء مبدأ المراقبة، فيتحقق بذلك صدق التوجه إلى الله بتحرير القلب من الخضوع لغيره وتعلقه به، فيسمو بنفسه عن المهلكات القلبية، ليرتقي في معارج الإيمان، فمراقي الإحسان، ليقوم العبد ملبيا نداء الفلاح، مستجيبا لأمر الله تعالى في الوفاء بأمانة الاستخلاف، هذه الأمانة التي تقتضي استقلال إرادة الإنسان وعدم خضوعها لسلطان، ليكون بذلك مسؤولا عن تصرفاته بمحض حريته، وخضوعه الواعي لنواميس الكون والشرع.
فالحرية من أشرف مقاصد كلمة التوحيد، إذ أن تحرر الإنسان من العبودية والخضوع والتذلل لغير الله من أصول الدين، بل أشرف غاياته وهو أساس التوحيد الذي جاءت به الرسالات، وكلما ارتفع الإنسان في مقام العبودية لله اتسعت دائرة تحرره من أغلال تكبل نفسه، وبذلك يكون منطلق التحرر من أعماق النفس والعقل والإرادة، ليمتد لسلوك يأبى إلا أن يلتزم بالحق وإن تعارض مع هواه، فالحرية هجران لقضبان السكون إلى الشهوات، وتقليم لأغضان الميل إلى الأقذار وتخلص من الضعف والاستسلام لقوى الغرائز المنبعثة من داخله والمسيطرة على خارجه، فكما قال الإمام الطاهر بن عاشور: “الاستقلال حياة، والحرية حياة” التحرير والتنوير ج 9/313.
فالتحرر الحق يتحقق عندما يرقى ضمير المسلم وتسمو حوافز خيريته إلى درجة التنافس على أداء الواجبات، طلبا لرضا الله، فتتحقق المعاني الإنسانية العالية التي تقوي نور الإيمان في باطنه، فيصدق في ساحات الفضل ومنابع الخير، لينتهي به سلوكه إلى الرجاء الواثق بما وعد الله عباده الصالحين، كما جاء في قوله تعالى: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى)، سورة النازعات:40،41.
دة.أمال اليملاحي