شدتني مقدمة الطريف البهية، وصنعته الأدبية، وإشاراته اللطيفة، وفوائده البديعة، وفرائده الطريفة، واستهلاله البديع وثناؤه الرفيع، فقد أثنى العلامة ابن علي الجنفوري على الباري سبحانه وتعالى فشكر نعمة البيان واللّسان، وبين عجز البلغاء والفصحاء عن الإتيان بمثل القرءان، وأثنى على الصحابة أرباب المعاني والبيان.
_لماذا ألف كتاب الطريف للأديب الظريف للأدباء والمشتغلين بالعربية بالهند؟
ـيجيب العلامة فريد زمانه عبد الأول بن علي الجنفوري بأن الناس اهتموا بالعلوم العربية، وذهلوا عن محاورات الأدباء، وسنن العرب في التّعبير.
ويصف لغات العرب بأنّ لها أصولا زاكية، وقطوفا دانية، ولدوحتها أفانين وغصونا، ولعباراتها أساليب وفنونا، ولسلسالها منابيع وعيونا.
إذا، الكتاب في سنن العرب وأساليبها في التعبير، وليس لتقرير قواعد النحو والصرف والبلاغة، فهو من قبيل فقه اللغة.
والكتاب في غاية الأهمية؛لإنه في لغة يفهم بها كلام الله العزيز، ويتوقف عليه معرفة أحاديث النبي الكريم، وفي هذا المعنى، يقول ابن جابر الأندلسي:
وحفظ لغات العرب أنفس حلية *** تحلّى بها الإنسان في مبدأ الأمر
فذلك مفتاح العلوم بأسرهـــــــــا *** ولولاه لم يعلم بما جاء في الذكر
ويؤمن العلامة ابن علي الجنفوري-وما نحن له بمكذبين-بأن التّبحر في جلائل اللغة والتمعن في دقائقها لا يزيد القارئ إلّا قوة اليقين في معرفة إعجاز القرءان المبين.
ألّف العلامة ابن علي الجنفوري كتاب الطريف للأديب الظريف لأمرين اثنين:
- الأول: الأولاد في المكاتب
- الثّاني: المدرسون أولوا المراتب
فكتابنا الطريف للأديب الظريف للأستاذ والمعلّم معاً، فهو تذكرة للمبتئين، وتبصرة للمنتهين، وهذا من روائع المناهج ودواعي المباهج.
-موضوعات كتاب الطريف للأديب الظريف:
بدأالعلامة ابن علي الجنفوري كتابته بالتدرج من الأسهل إلى الأعمق، ومن الأعمق إلى الأدقّ ومن البسيط إللى المركّب. ومن متفرقات لغوية إلى بحور عروضية.
بدأ بالأعداد والشهور، وأيام الأسبوع والدّهور، والطعوم والرياح والبروج. ثم انتقل إلى علم العروض، فبين بحور الشعر، وأساليب العرب في التثنية والجمع.
وبين أن الكلمات في العربية من حيث التثنية والجمع لها أساليب في الوضع، يلذ لها السمع ويطرب لها الطبع، فمنها:
- كلمة تفرد وتثنى وتجمع
- كلمة تفرد وتثنى ولا تجمع
- كلمة تفرد وتجمع ولا تثنى
- كلمة لا تثنى ولا تجمع
والعلامة ابن علي الجنفوري ناقد بصير، وقارئ محنك، ومكتبة تمشي على الأرض، أحبّ لسان العرب، فطاعه البيان، واستجابت له الفصاحة وامتثل فكره للقلم
والكتاب مع صغر الحجم وجزالة التعبير جم الفوائد، غزير الفرائد، ماتع الشرائد، وأكتفي هنا بعرض نموذجين من طرائف الكتاب.
- النموذج الأول: عنوان له بقوله: جمع الفعل عند تقدّمه على الإسم.
وقال:” ربّما تفعل العرب ذلك؛لإنّه الأصل، فتقول: جاءوني بنو فلان”
قلت: هذه ما تسمّى بلغة أكلوني البراغيث، وضابطها: أن تجمع الفعل عند تقدمه على الإسم، فعنوان التبويب ضابطٌ مفسّرٌ لهذه السنة العربي العربية.
يقول ابن مالك الأندلسي:
“وقد يقال سعدا وسعدُوا والفعل للظاهر بعد مسند”
والعلامة ابن علي الجنفوري يقرر سنة العرب ويستدل لها بآيتين:
-الأولى:{ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا }
-الثّانية:{ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ ۚ}
- النموذج الثاني: من كتاب الطريف للأديب الظريف، أبيات تجمع ما يذكر من الكلمات ولا يؤنث:
يسائلا عمّا يذكر في الفتــى لا غير عِهْ من حاذق لك يخبـــــرُ
رأس الفتى وجبينه ومعـاؤه والثـتغر ثم الشـعر ثم المـنخــــر
والبطن والفمُ ثم ظفرٌ بعده نابٌ وخد بالحيـــــــــــاء يعصفـــرُ
والثدي والشبر المزيد وناجذٌ والباع والذقن الذي لاينكـــــــــــر
هذه الجوارح لا تؤنّثْهافمــــــا فيه لها حظٌّ إذا مـــــــــــــا تذكـــــر
د. مصطفى البحيرة