• طليعة:

الحمد لله الذي أكرمنا بالقرءان ودين الإسلام، وأنزل إلينا أشرف الكتب وأحسن الكلام، وجعله معجزاً في المعنى والنّظام، والصّلاة والسّلام على صاحب الخير الجزيل، وعلى من قفا نهجهم بإحسان ترتيل، ما ارتبط حكم بدليل، وأدء بتعليل.

وبعد، فإن توجيه القراءات علم غزير الفوائد، عظيم المنافع، جمّ الأحكام، مختلف الموارد، وهو ميدان خصب لتطبيق علوم اللغة من نحو وصرف وبيان وبلاغة واشتقاق.

والتّعليل في كلّ فنّ أجل ما يطلب، وأفضل مايكتب، وأعظم ما تتبارى فيه الأقلام، وتتفاوت فيه الأفكار، وتطمح إليه النّفوس، وتركن إليه الأفئدة، وتختلف فيه الأنظار.

ومن جميل المنظومات العلمية في قراءة الإمام نافعٍ التي تظمنت تقرير أحكام القراءة أصلا وفرشا، وتعليل الحكم نحوا وحملاً، نظم الدرر اللوامع في أصل مقرإ الإمام نافع، للمقرئ أبي الحسن عليّ بن محمّد الرّباطي التّازي المتوفّى سنة(730ه)

فهو متنٌ عذب الألفاظ، رائق المعنى، بديع الحجج، جدليّ التّعليل، مختلف الموارد، غزير الفوائد، تقرّ المهج فيما أورده من الحجج.

وعندما طالعت النظم استوقفني قوله:

-أوردت ما أمكنني من الحجج *** مما يقام في طلابه حجج

و”ال”في الحجج تفيد العموم، فماذا تعمّ من الحجج؟وماهي أنواعها؟وهل تعددت موارد النظم في التوجيه؟ وماهو الوعاء التعليلي الذي حمل الحجج؟ وهل كلّ الحجج التي وردت في النظم هي حجج لغوية؟ أم هناك توجيهات لاتندرج في علوم اللغة؟

سيجيب هذا المقال على ما طرحته من أسئلة، والله ولي التوفيق، والهادي إلى الصواب.

  • توجيه القراءات لغةً واصطلاحاً

-التوجيه لغة:

قال ابن فارس:

“الواو والجيم والهاء: أصلٌ واحدٌ يدل على مقابلة لشيء. والوجه مستقبل لكل شيئ. يقال: وجه الرجل وغيره. وربما عبر عن الذات بالوجه.

وتقول: وجهي إليك، وواجهت فلانا: جعلت وجهي تلقاء وجهه، ومن الباب قولهم: هو وجيه بين الجاه. والجاهُ مقلوبٌ، والوجهة: كل موضع استقبلته، ووجهت الشيء: جعلته على جهة. وأصل جهته وجهته.

والتوجيه: أن تحفر تحت القثاءة، أو البطيخة ثم تضجعها، وتوجّه الشيخ: ولّى وأدبر، كأنه أقبل بوجهه على الآخر. ويقال للمهر إذا خرجت يداه من الرحم : وجيه”

إذن؛ دلالة الوجه لغةً تدور على المعاني التالية:

مقابلة الشيء ، والذَّات، ونفس الشيء على جهة معينة، والتّولي والإدبار ، والجارحة، وأوّلية الشّيء، والسيد، والسبيل المقصود من الشيء.

وأقرب هذه المعاني اللغوية لمفهوم التّوجيه اصطلاحا، مدلولان:

1- جعل الشيء على جهة معيّنة، فالقراءة تكون على تخريج معيّن وحجّة مقصودة.

2- السّبيل المقصود من الشيء؛ إذ القراءة والظاهرة الصّوتية لها سبيل مقصودٌ لتوجيهها وتخريجها.

-التوجيه اصطلاحا:

والتوجيه: هو: جعل الكلام ذا وجه ودليل والتوجيه: بيان وجه الكلام ومعناه .

وتوجيه القراءات : علمٌ يبين فيه دليل القراءة وتصحيحها من حيثُ العربيةُ واللغةُ، ليعلم القارئ وجه القراءة.

  • موارد التوجيه عند ابن بري التازي

إن نظم الدرر اللوامع مع صغر الحجم ، عظيمُ الفائدة، وكثير الحجج، وقد رأيت أن أنواع الحجج، وموارد التّعليل ترجع إلى الأقسام التالية:

-حُجّة نقلية:

وهي أصل الحجج،وذروة سنام العلل؛ إذ بالإسناد تتحقَّق ركنية القرءان الكريم.

-حُجّة نحوية:

فكثيراً ما يعلّل بالنّحو نحو قوله: وهو يوجه قصر هاء الكناية عند قالون

واقصر لقالون يؤده معا *** ونؤته منها الثّلاث جُمعا

نوله ونصله يتقــــــــــــــــه *** وأرجه الحرفين مع فألقه

رعاية لأصله في أصلها *** قبل دخول جازم لفعلها

_حُجّة صرفية :

فقد وجه قصر الواو في موئلا بقوله:

وقصر موئلا مع الموءودة *** لكونها في حالة مفقودة

-حُجّة انسجامية:

فقد علّل ابن بري للبسملة في الأربع الزهر بالضّرورة: والمراد بها انسجام مطلع السّورة بخاتمتها، أو دفع اللّبس ، وهو توهُّم تسلّط النفي على ما قبله، قال:

وبعضهم بسمل عن ضرورة *** في الأربع المعلومة المشهورة

للفصل بين النّفي والإثبات *** والصّبر واسم الله والويلات

-حُجّة صوتية:

وجّه ابن بري قصر هاء الكناية في “يرضه” لنافع بعلّة صوتية وعلّة نحوية ، فقال:

ونافع بقصر يرضه قضى *** لثقل الضّمّ وللذي مضى

-حُجّة قياسية حملية:

وجّه ابن بري تفخيم حيران بالحمل على عمران ، فقال:

والسير والطير وفي حيران *** خلفٌ له حملا على عمران

-حُجّة عدمية ، أو حُجّة اعتبارية :

علّل ابن برّي -رحمه الله- قصر المنفصل عند قالون بانعدام الهمزة حال الوصل.

فقال:

نحو بما أنزل أو ما أخفي *** لعدم الهمزة حال الوقف

والاعتبار هنا قد يكون للّفظ ، وقد يكون للمعنى، فقد وجه ابن برّي بتعاقب المعاني،حين قال :

وأرأيت وها أنتم سهّلا *** عنه وبعضهم لورش أبدلا

والهاء يحتمل كونها فيه *** من همز الاستفهام أو للتنبيه

-حُجّة مصحفية:

فقد علّل ابن بري بعض الجزئيات القرائية بالرسم العثماني وخط المصحف.

من ذلك قوله:

فصلٌ والاستفهام إن تكررا *** فصيّر الثاني منه خبرا

واعكسه في النمل وفوق الروم *** لكتبه بالياء في المرسوم

وقد يسر الله لي نظم أرجوزة سميتها “الكوكب الدّرّي في بيان حجج ابن بري” أختم بها لما فيه من إجابات عن فرضية البحث ، أشرت فيها إلى ميزة النظم، وأنواع الحجج، وموارد التّعليل، ومرادف الحجة.

وهي قولي:

الحمد لله على *** ما أنعما وأجزلا

ثُمّ صلاته على *** محمد منُ أرسلا

وآله وصحبــــهِ *** وتـــابعٍ لحزبـــــــه

إلى لقاء ربّـــــه *** يرجو ثواباً وعُلا

وبعدُ هاك نظْمي *** يا طالبا للفهم

لحــججٍ في النظمِ *** درٌّ ولامــع ٌ جلا

“مكانةُ النّظم ومميزاتُه “

الدّررُ اللّوامعْ *** في مقرإ لنافعْ

معلّلٌ وبارع *** ونظمه لنا حلا

كتبه ابن برّي *** شُروحه فلْتَدر

فيالهُ من أجر *** ثوابُه تسَلْسَلاَ

ميزتُه في الحجج *** صريحةٌ في المنهجِ

مقرَّةٌ للمهجِ *** فـــــهاكها مفصَّلا

“أنـــــواع الحُـــــجج”

مراعاة للأصلِ *** وعلّة بالنّقلِ

أأشهدوا بالفصلِ *** تقويةُ البنا تلا

النّقلُ والضّرورةْ *** في زهرهم مشهورَةْ

وبنيَةٌ مهجــورَةْ *** واردةٌ في موئِــــلا

ما رسمُوا في المصحفِ *** ثم قياسٌ خففِ

حمْلٌ ولَبْسٌ اعرفِ *** فرْقٌ وخفّة عَلا

-حركَة الإ عـــــراب *** من حجَج الكتابِ

-رعايةُ الأسبــــابِ *** وأصلُ ذا مانُقِلا

-والبُعْدُ ثُمّ العدمُ *** والقربُ فيما يدغمُ

-تغيير لفظٍ يلزمُ *** وادْعُ لناظــــــمٍ تــــلا

“أسالــيب الاحتجــــــاج”

-وغالبُ التَّعليلِ *** باللّام يا خليلــــــي

-إذ عنده في القيلِ *** بجُملٍ قد علَّلاَ

“أقســــامُ الحُـــــجج”

-حُجَجه نوعان *** مفردةٌ للدّانـــــــــي

-مقرونةٌ بثاني *** وانظُر أُخَيَّ للـــعُلا

-وبعضُها ذو جدلِ *** يقارئا فــــــأعْملِ

-وراجِعنْ للمُثُــــــل *** يُحَلُّ ما قد أشكلا

“مرادفاتُ الحُجّة في النّظمِ “

-لحُجّة وحَمْــــــــل *** وعلّـــــــــةٌ لنقْـــــــلِ

-مُصْطَلحاتٌ أجْلِ *** ناظمنا مستعمِلا

“الخاتمة”

-هذا تمام قصدي *** وإن خطــــا فأبد

-يقارئـــــــاً بجــــــــدِّ *** ولـلعلوم حصِّـــلا

-نحمده جلّ علا *** ثمّ صلاتـــه علـــــى

-محمّد من وصّلا *** رســالة إلى الملا

د.مصطفى البحيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *