إن صيانة أوجه التعبد التي يقوم عليها حق الاستخلاف الذي لا يثمر إلا بها لا يتم إلا باستصلاح السرائر، ثم باجتناب ما قبح من الكبائر المؤثرة في قبول الأعمال، والمشوشة على استقامة الأفعال والأحوال.
وقد أمر الله تعالى المكلفين بحفظ الشعائر، واتقاء المناكر، لضمان وعي قدر الأولى واستحقاق المنة الجُلَّى، التي جعلها الله تعالى مفتاح إقامة إلزاماته، وباب التلذذ بإتيان واجباته، فقال سبحانه: ﴿فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون،والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون، والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون، والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون﴾ [الشورى: 33 ـ 36].
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «من يأخذ مني خمس خصال فيعمل بهن، أو يعلمهن من يعمل بهن؟» قال: قلت أنا يا رسول الله. قال: «فأخذ بيدي فعدهن فيها» ثم قال: «اتق المحارم تكن أعبد الناس…»[1].
وقد ضمن الله تعالى لمن جمع شروط التقوى وما تقتضيه من استصلاح الأقوال والأفعال، وحفظ العهد ومراعاته حالا بعد حال، بتعظيم خطر الكبائر وعدم الاستخفاف بأشباهها من المناكر أو الاستصغار لآثارها على تعظيم الشعائر، باستحقاق فضله المرتجى منه مدى الدهر في حفظ الخطرات والنظرات، وتكفير سالف السيئات، واستئهال منه المجتنى بقبول المبرات، وإعلاء الدرجات، ورفع المقامات وتكفير الخطيئات في قوله سبحانه تعالى: ﴿إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما﴾[2] [النساء: 31].
وقد بين الله تعالى للمكلف ضوابط معرفة أوجه النهي عن الفعال الكسبية والأتيات الاكتسابية الموجبة لمقت الله وغضبه والمبعدة عن سمت العلم وسننه، التي تحول دون التحقق برسوم الخشية الواجبة، وتمنع دون امتلاك الاستقامة اللازمة التي يعظم بها الأمر والنهي، ويؤمن بها من فتنة الصدوف والنأي، بصور متعددة تأخذ أوجها متنوعة فتكون:
إما بذم الفعل، كقوله تعالى: ﴿وترى كثيرا منهم يسارعون في الاثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون﴾ [المائدة: 64].
أو بذم الفاعل كقوله تعالى: ﴿إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون…﴾ [الأنفال: 22].
أو مقت الفعل، كقوله تعالى: ﴿ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا﴾ [النساء: 22].
أو نفي محبة الفعل كقوله تعالى: ﴿وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد﴾ [البقرة: 203].
أو نفي محبة الفاعل، كقوله تعالى: ﴿وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين﴾ [البقرة: 189].
أو بنفي الرضا بالفعل مثل قوله سبحانه: ﴿يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا﴾ [النساء: 107].
أو نفي الرضا عن الفاعل كما في قوله تعالى: ﴿يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين﴾ [التوبة: 97].
ومنها تشبيه الفاعل بالبهائم كقوله تعالى: ﴿واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الارض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون﴾ [الأعراف: 175 ـ 176].
ومنها تشبيه الفاعل بالشياطين كقوله: ﴿وءات ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا﴾ [الإسراء: 26 ـ 27].
ومنها تشبيه الفاعل بالمنافقين كقوله تعالى: ﴿وقد نزل عليكم في الكتاب أن اِذا سمعتمُ آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكمُ إذا مثلهمُ إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا﴾ [النساء: 139].
ومنها نصب الفعل سببا لحرمان هداية الله تعالى: كقوله تعالى: ﴿سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يومنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين﴾ [الأعراف: 146].
ومنها وصف الفعل بالسوء والكراهة كقوله تعالى: ﴿..ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا، ولا تمش في الارض مرحا إنك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا، كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ﴾[الإسراء: 38]. وقوله ﷺ: “إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال“[3].
ومنها ما استعاذ منه الأنبياء من الأفعال مثل قوله تعالى:﴿وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين﴾ [البقرة: 67]. وقوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: ﴿وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الابواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون﴾ [يوسف: 23]. وقوله ﷺ: “اللهم إني أعوذ بك من الفقر، والقلة، والذلة، وأعوذ بك من أن أظلم، أو أظلم”[4]. وقوله: “اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق، والأعمال والأهواء”[5]. وقوله: “اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي”[6].
ومنها نصب الفعل سببا لنفي الفلاح كقوله تعالى: ﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون﴾ [الأنعام: 21].
ومنها وصف الفعل بالرجس أو الخبث كقوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون﴾ [المائدة: 90]. وقوله: ﴿قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا اُهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم﴾ [الأنعام: 145]. وقوله: ﴿ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الانعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الاوثان واجتنبوا قول الزور﴾ [الحج: 30]. وقوله: ﴿واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به منَ اَشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويوتون الزكاة والذين هم بآياتنا يومنون، الذين يتبعون الرسول النبي الاُمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والاِنجيل يامرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهمُ إصرهم والاَغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون﴾ [الأعراف: 156–157].
ومنها وصف الفعل بكونه إثما كقوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكمُ أن ياكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم﴾ [الحجرات: 12]. وقوله: ﴿وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإنَ اَمن بعضكم بعضا فليُوَد الذي اوُتمن أمانته وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم﴾ [البقرة: 282]. وقوله: ﴿وإنَ اَردتمُ استبدال زوج مكان زوج وآتيتمُ إحداهن قنطارا فلا تاخذوا منه شيئا أتاخذونه بهتانا وإثما مبينا﴾ [النساء: 20] وقوله: ﴿ومن يكسب خطيئة أوِ اِثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا﴾ [النساء: 112].
ومنها وصف الفعل بكونه فسقا، كقوله: ﴿واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون﴾ [الحجرات: 7] وقوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون﴾ [الحجرات: 11]. وقوله: ﴿وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم﴾ [البقرة :281].
ومنها نصب الفعل سببا لزوال النعمة أو حلول نقمة: كقوله تعالى: ﴿لقد كان لسبأ في مسكنهمُ آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور، فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل، ذلك جزيناهم بما كفروا وهل يُـجازَى إلا الكفور﴾ [سبإ: 15 ـ 17]. وقوله: ﴿إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذَ اَقسموا ليصرمنها مصبحين، ولا يستثنون، فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون، فأصبحت كالصريم﴾ [القلم: 17 ـ 20].
ومنها نصب الفعل سببا لحد كقوله تعالى: ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم﴾ [المائدة: 33]. وقوله: ﴿والذين يرمون المحصنات ثم لم ياتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة اَبدا وأولئك هم الفاسقون﴾ [النور: 4].
ومنها التوبيخ على الفعل عاجلا أم آجلا مثل قوله تعالى: ﴿قال أتعبدون ما تنحتون، والله خلقكم وما تعملون﴾ [الصافات: 95 ـ 96]. وقوله: ﴿أتاتون الذكران من العالمين، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون﴾ [الشعراء: 165 ـ 166].
ومنها نصب الفعل سببا لعداوة الله تعالى ومحاربته، مثل قوله تعالى: ﴿من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين﴾ [البقرة: 98]. وقوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مومنين، فإن لم تفعلوا فاذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون﴾ [البقرة: 279] [7].
فهذه أهم علامات الكبائر التي تفرقت في جماهير سور القرآن، وتأكدت في سنن النبي العدنان ـ ﷺ ـ لتكون مقياسا يعرف ما يبعد المكلف عن رضوان سيده، ويدرك ما يحول بينه وبين مسالك فضله، في أفق بلوغ الغاية من التغيير لله في نفسه وفعله، والاستمتاع بالوفاء بمقتضى وعده، الضامن للتحقق بالعبودية الكاملة، واستجلاب الرحمة الشاملة، التي كتبها الله للمتقين، وجاد بها على الأوفياء من المستسلمين، بخالص عبوديتهم التي لا شرك يتخللها، وصادق طاعتهم التي لا أنانية بها، واستجابتهم التي لا تحجب عن بَصْرِ العهد، واستحضار القصد، وأداء ما يقتضيه حق العقد من تزكية النفس، وتقوية الحس، وإقامة الحق بلا رجس ولا لَبْس، وأداء الائتمان بلا بخس ولا نُكْس، وإظهار المعالي بلا أَلْسٍ[8] ولا بأس، ولا بؤس يجر إلى تَشَرُّرٍ نحس.
وأحق ما ينبغي أن نتعاهد على تركه في زمن الحجر الصحي، ونتواثق على نبذه في ظرف الاعتزال النصحي، ونتعاقد على هجره وتركه تعبدا، لنرتقي إلى معالي الأمور تأدبا، فنُكْفَى شر العناء والوباء، ونُؤَمَّن من شر الأدواء والغَمَّاء، ونسمو إلى منزلة الصلحاء الأنقياء، ونعلو إلى مقام خَاصَّةِ الأولياء، أن نجأر إلى الله تعالى بخالص الاعتذار، وأن نتوب إليه مما سلف من الغفلة والاغترار، وأن نهجر ما عُلِمَ أنه من الذنوب الكبار، ونجتنب ما عُدَّ من جوالب العار، والمعقبة لخسار الأعمار ونعيم دار القرار، مثل:
الأمن لمكر الله، وسوء الظن بالله، والتكفير بالكبائر، وتكفير من لم يكفره الله ورسوله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وتفريق الجماعة، ونقض العهد، وخيانة الأمانة، ونقض البيعة الشرعية، والخروج على الأمر الجامع، والقول في الدين بغير علم، والجدال في كتاب الله ودينه بغير حجة، وادعاء النسب إلى النبي ﷺ، وسب الصحابة، والسحر والاستسحار، وتصديق الكاهن والمنجم.
ومعاداة أولياء الله، وأذية الناس وشتمهم ونبزهم وتناول أعراضهم، والاطلاع في دار قوم بغير إذنهم، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وطرح الأذى في الطريق، وإذاية الجار، وعقوق الوالدين، وبراءة الرجل من أبيه، وبراءة الأب من ابنه، وإقرار الرجل الفاحشة في أهله وهو يعلم، وقطيعة الرحم، وهجر الأخ المسلم سنة، وقول المرء ما لا يفعل، واتباع الهوى، وإثارة الفتنة، وإشاعة الفاحشة، والتبجح والافتخار بالمعصية.
والسرقة، والزنا، واللواط، وشرب الخمر وتناول المخدرات والإعانة عليها، والقمار، وشهادة الزور، واليمين الغموس، ونصرة الظالم، والظلم بالإضرار وأخذ الأموال، وأكل المال الحرام، كأكل مال اليتيم ومال الوقف، والغش، والتطفيف، والاحتكار، والرشوة، والجور في الوصية، وطاعة الشح، وإضاعة من تلزم مؤنته ونفقته، من أقاربه وزوجته، وحرمان الوارث حقه من الميراث، والإسراف والتبذير، والنياحة، ولطم الخدود، وشق الثياب ومنع ابن السبيل، وإضلال الأعمى عن الطريق، ومن يكون له وجهان ولسانان، فيأتي القوم بوجه ولسان، ويأتي غيرهم بوجه ولسان آخر، والفحش في القول، والمخاصمة في الباطل الذي علم أنه باطل، ودعواه ما ليس له وهو يعلم أنه ليس له…
وترك الصلاة، وترك الجمعة، وإفطار رمضان من غير عذر ولا رخصة، ومنع الزكاة؛ والكبر والفخر والخيلاء والعجب والتيه والرياء، والمكر والخديعة، والحقد والحسد، والغيبة والنميمة والمن بالعطاء أي عطاء. وكفران نعمة المحسن…
وأنفس ما ينبغي أن يُنصح به أحبتنا في أماكن انحباسهم لسلامتهم وسلامة خاصتهم، وأجل ما يُهدى إلى خاصتنا في محلات اعتزالهم لأمنهم وعافية أمتهم، قول سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه: المؤمن في سبعين حجابا من نور فإذا عمل خطيئة ثم تناساها حتى يعمل أخرى هتك عنه حجابا فإذا عمل كبيرة هتك عنه الحجب كلها إلا حجاب الحياء وهو أعظمها حجابا فإن تاب تاب الله عليه ورد تلك الحجب كلها فإن عمل خطيئة بعد الكبائر ثم تناساها حتى يعمل أخرى قبل أن يتوب هتك عنه حجاب الحياء فلم يلقه إلا مقيتا ممقتا فإذا كان مقيتا ممقتا نزعت منه الأمانة فإذا نزعت منه الأمانة لم يلقه إلا خائنا مخونا فإذا كان خائنا مخونا نزعت منه الرحمة فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلا فظا غليظا فإذا كان فظا غليظا نزعت منه ربقة الإيمان فإذا نزعت منه ربقة الإيمان لم تلقه إلا لعينا ملعنا شيطانا رجيما[9].
إن اجتناب الكبائر المنصوص على قبحها، والابتعاد عن المساوئ المتفق فسادها يجرد التوحيد الصحيح ويقيم التعبد النجيح، ويشع نور الفكرة، ويحقق هدف الهجرة، ويجمل المبادرة، ويُنَشِّط المسارعة، ويُبلِغ إلى هدف الاقتراب، ويعين على السبق إلى الصواب، فيتخلص المستجيب من داعية هواه المرتكسَة، وينعم بلذة الحرية المكتسَبة، فيستصغر كل ما سوى مولاه، وينأى أن يأخذ صفة الساهي اللاَّهْ، لِتُصْرف عنه ـ بإذنه ـ دواعي الشهوة ويُحْفظ من جواذب الشبهة، ويأمن صوارف الهوى الردية، وتضمن الحرية الحقيقية المرجوة أصالة من العبادة، وتكسب الاستقامة المتوجة بكرامة الشهادة.
وقد بين هذا المعنى في التوحيد العملي المقصود في معنى الحرية الحقيقية، المجمَّلَة بمعالي الأمور ومكارمها السنية الرضية، والمصدقة بالعُبُودَةِ المُؤَمِّنَةِ من الخوف والتخويف، والمُتَوَّجَة بالطاعة المُبرأة من الصدوف والتصديف، العلامة النحرير الرباني، أبو القاسم الراغب الأصفهاني في قوله: الحرية ضربان: الأول: من لم يجر عليه حكم الشيء، نحو: ﴿الحر بالحر﴾ [البقرة: 178] . والثاني: من لم تتملكه الصفات الذميمة من الحرص والشره على المقتنيات الدنيوية، وإلى العبودية التي تضاد ذلك أشار النبي ﷺ بقوله: «تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار» … وقيل: عبد الشهوة أذل من عبد الرق، والتحرير: جعل الإنسان حرا، فمن الأول: ﴿فتحرير رقبة مومنة﴾ [النساء: 92]، ومن الثاني: ﴿نذرت لك ما في بطني محررا﴾ [آل عمران: 35]، قيل: هو أنه جعل ولده بحيث لا ينتفع به الانتفاع الدنيوي المذكور في قوله عز وجل: ﴿بنين وحفدة﴾ [النحل: 72]، بل جعله مخلصا للعبادة، ولهذا قال الشعبي: معناه مخلصا، وقال مجاهد: خادما للبيعة، وقال جعفر: معتقا من أمر الدنيا، وكل ذلك إشارة إلى معنى واحد[10].
والحمد لله رب العالمين
وكتبه تذكرة لأحبائه من أبناء أمته على اختلاف
اختياراتهم وانتماءاتهم وتباين الجزئيات من اجتهاداتهم
الدكتور إدريس ابن الضاوية
العرائش 25 ـ 4 ـ 2020
أحق ما ينبغي أن نتعاهد على تركه في زمن الحجر الصحي… لنرتقي إلى معالي الأمور تأدبا، فنُكْفَى شر العناء والوباء، ونُؤَمَّن من شر الأدواء والغَمَّاء… أن نجأر إلى الله تعالى بخالص الاعتذار، وأن نتوب إليه مما سلف من الغفلة والاغترار، وأن نهجر ما عُلِمَ أنه من الذنوب الكبار
لتحميل المقال PDF
[/et_pb_text][/et_pb_column][/et_pb_row][et_pb_row _builder_version=”4.4.3″][et_pb_column type=”4_4″ _builder_version=”4.4.3″][et_pb_text _builder_version=”4.4.3″]—————————-
الهوامش:
[1] – أحمد 13/458، واللفظ له، والترمذي برقم 2305
[2] – عن معاوية بن قرة قال: أتينا أنس بن مالك، فكان فيما حدثنا قال: لم نر مثل الذي بلغنا عن ربنا، ثم لم نخرج له عن كل أهل ومال! ثم سكت هنيهة، ثم قال: والله لقد كلفنا ربنا أهون من ذلك! لقد تجاوز لنا عما دون الكبائر! فما لنا ولها؟ ثم تلا”إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه، نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما”. تفسير الطبري 8/ 255
[3] – البخاري برقم 1477 ومسلم برقم 593
[4] – أبو داود برقم 1544 والنسائي برقم 5462
[5] – الترمذي برقم 3591
[6] – أبو داود برقم 5094
[7] – انظر تفصيل هذه العلامات في الإمام في بيان أدلة الأحكام للعز بن عبد السلام ص 105 وما بعدها. وإعلام الموقعين 4/305 وما بعدها، وإرشاد الحائر إلى علم الكبائر لابن عبد الهادي يوسف بن الحسين، والزواجر عن اقتراف الكبائر لأبي العباس أحمد بن محمد الهيتمي، وكتاب تنوير البصيرة ببيان علامات الكبيرة لشيخنا سيدي عبد الله بن الصديق .
[8] – الألس: الخيانة. والعرب تسمي الخيانة ألسا، يقولون: “لا يدالس ولا يؤالس”. مقاييس اللغة مادة [ألس].
[9] – نوادر الأصول 2/208 ، وانظر الدر المنثور 7/569
[10] – المفردات ص: 225