[et_pb_section fb_built=”1″ _builder_version=”4.4.8″ custom_padding=”14px|||||”][et_pb_row _builder_version=”4.4.8″ custom_padding=”13px||12px|||” min_height=”62px”][et_pb_column type=”4_4″ _builder_version=”4.4.8″][et_pb_text _builder_version=”4.4.8″ hover_enabled=”0″ sticky_enabled=”0″]
لقد اقتضت حكمة الله تعالى حينما خلق الإنسان أن يكرمه بطاعته، ويشرفه بعبادته، وجعل ذلك الغاية العظمى من خلق نوعه، وإيجاد جنسه، فقال عز من قائل: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ”[1].
[/et_pb_text][/et_pb_column][/et_pb_row][et_pb_row column_structure=”2_3,1_3″ _builder_version=”4.4.8″ custom_padding=”||0px|||”][et_pb_column type=”2_3″ _builder_version=”4.4.8″][et_pb_text _builder_version=”4.6.1″ hover_enabled=”0″ sticky_enabled=”0″]
فما قرب إليه إلا من كان له أعبد، وما أدنى إلى حضرته إلا من كان لأمره أطوع وأسمع، فذاك الذي رفع درجته، وأعلى منزلته، وجعله من بين العالمين الأكرم عليه والأسعد.
ثم إنه سبحانه أثنى على من اجتباهم من أنبيائه ورسله من هذه الناحية، ووصفهم -إذ أراد مدحهم- بتمام وكمال العبودية، فقال عن سيدنا نوح: “إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا”[2]، وقال عن سيدنا سليمان -ومثله عن سيدنا أيوب-: “نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ”[3]، وقال عن سيدنا يوسف: “إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ”[4]، وقال: “وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ”[5]، وقال عن نبينا صلى الله عليه وسلم: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ”[6].
وهذه العبودية التي نوه الله بشأنها إلى هذا الحد ما هي إلا وضع للأمر في نصابه، واتصاف من العبد بما يلزمه مع ربه، بموجب إقراره بأوصاف مالكه وسيده، إذ هو سبحانه الخالق والمالك والواهب والقادر والغني والمغني والضار والنافع..
والعبد مملوك عاجز فقير كَلٌّ عليه، لا يقدر إلا على ما أقدره الله عليه، ولا يهتدي إلا لما هداه هو إليه، “يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ”[7]، “وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ”[8]، وفي الحديث القدسي: “يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم..”[9].
ولا غرو أن مَن شأنه العجز والفقر، والزلل والقصور والنقص، جدير بأن يتعلق بمن وصفه الكمال والقدرة والقهر، ومن له الخلق والأمر، تعلقا يعلن به العبد الفاقة إلى ربه، ويتلبس بلباس الذل بين يديه، حتى يصير له ذلك وصفا ثابتا، وحالا لازمة، تشبها بمن أثنى الله عليهم من أنبيائه ورسله الذين هم صفوة خلقه حيث قال: “إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ”[10]، أي متواضعين خاضعين متذللين.
نعم إنه الخشوع لله الذي أذاب كيان العارفين، واستهوى قلوب الربانيين، فاستمرأوه في جنب الله واستلذوه، وما رأوا لأنفسهم مع الله مقاما أليق بهم سواه.
[/et_pb_text][/et_pb_column][et_pb_column type=”1_3″ _builder_version=”4.4.8″][et_pb_testimonial author=”الدكتور محمد بنكيران” job_title=”عضو المجلس العلمي المحلي للعرائش” portrait_url=”https://siraj.ma/wp-content/uploads/2020/05/Fen2.jpg” _builder_version=”4.6.1″ body_text_color=”#ffffff” body_font_size=”27px” body_line_height=”1.8em” author_text_color=”#000000″ author_font_size=”15px” position_text_color=”#000000″ position_font_size=”11px” background_color=”rgba(54,191,42,0.89)” hover_enabled=”0″ border_width_all_portrait=”3px” border_color_all_portrait=”#ffffff” box_shadow_style_image=”preset1″ sticky_enabled=”0″ body_font=”||||||||”]
انفعال القلب بالقرآن يحتاج إلى كثير من الرقة والتواضع والانكسار، وإلا فإن الكبر والقسوة يحولان دون خشوعه
[/et_pb_testimonial][/et_pb_column][/et_pb_row][et_pb_row _builder_version=”4.4.8″ custom_padding=”10px|||||”][et_pb_column type=”4_4″ _builder_version=”4.4.8″][et_pb_text _builder_version=”4.6.1″ hover_enabled=”0″ sticky_enabled=”0″]
إنه واحد من أعظم الخصال التي تضاف إلى خصال أخرى لتشكل مجموع مقومات الربانية الدالة على الإخلاص والصدق في الدينونة لله رب العالمين، “إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا”[11].
والخشوع هو عمل من أعمال القلوب، بل هو أجلها وأعظمها، وهو أحد أوصافه الأساسية الدالة على نبضه وحيويته، وقدرته على الانفعال والتأثر، بحيث يرق في المواقف التي تتطلب الرقة، ويلين حيث يُحتاج إلى اللين.
وليس في الوجود شيء يتطلب مثل هذا التجاوب كالقرآن، لأن التأثر به شرط لاستمداد هداياته وأنواره كما أخبر بذلك منزله سبحانه فقال: “اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ”[12].
ومعلوم أن انفعال القلب بالقرآن يحتاج إلى كثير من الرقة والتواضع والانكسار، وإلا فإن الكبر والقسوة يحولان دون خشوعه، “أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ”[13].
ويبقى القلب بعد أن يستقر فيه الخشوع في حاجة دائمة إلى القرآن لكي يمده بالمزيد منه، فيكون الخشوع على هذا النحو شرطا للاستمداد والإفادة، وفي نفس الوقت مددا يفيض على قارئ القرآن بلا نهاية، وإلى هذا الإشارة في قوله تعالى: “وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا، قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا، وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا، وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا“[14].
هكذا إذن يتصل الخشوع بالقرآن فيكون معه حيث كان، لأنه كلام الله المشتمل على ذكره وعظاته وتذكيره، المتضمن لخطابه وتكاليفه، وأوامره الملزمة ونواهيه الزاجرة التي كلما تواضع لها الإنسان ازداد خشوعه، وكلما زاد خشوعه انقاد لها وسهلت عليه، وهذا هو معنى قوله تعالى: “وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ”[15].
وبهذه الهيأة -لا بغيرها- صلح أن يدخل المصلي على الله، وقد فعل فيه الخوف منه سبحانه فعله، وأثرت هيبته على جنباته، وهزت كبرياؤه كيانه، حتى صار الخشوع في الصلاة أشهر، مع أنه غير مختص بها، قال تعالى: “قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ”[16]، خشوعا أصله في القلب عبارة عن ذل وانكسار، ومظهره في الجوارح تواضع وسكون ووقار، فلا التفات للقلب في الصلاة لغير الله، ولا للجوارح لغير موضع السجود لعلاه، وهذه أنسب الهيآت لحال الضراعة التي ينبغي أن يكون عليها المصلي، وهي كذلك أنسب الأحوال لما يتلوه من آي القرآن وعظاته.
ولله در القائل:
ألاَ في الصلاة الخيرُ والفضل أجمعُ لأن بها الآراب لله تخضـــــــــــــــــعُ
وأوّل فرضٍ من شريعـــــــــة ديننا وآخِـر ما يبقى إذا الدِّين يُرفـــــــــــع
فمن قــام للتكــبير لاقته رحمــــــة وكـان كــعبدٍ بابَ مــــــولاه يَقْــرَعُ
وصار لربّ العـرش حين صــــــلاتِه نَجِيًّا فيَاطُــــوباه لو كــان يخشـــع
إن العلاقة بين الخشوع والصلاة تحتاج إلى تأمل كبير لمعرفة حقيقة الارتباط الحاصل بينهما، فالصلاة عبادة تتكرر في اليوم مرات كثيرة أقلها الخمس الواجبات، والخشوع الذي هو شرط فيها يتكرر بتكررها، فكأنها بذلك تدريب عملي مكثف على الخشوع، دافع إلى التلبس التام الكامل به، لكي ينتهي بالإنسان إلى حال يصير له الخشوع صفة لازمة مستقرة في صلته بربه من ناحية، ثم في صلته بالناس من ناحية أخرى، وكلاهما مقصود للشارع بدرجات عالية وإن كانت الأولى أصلا والثانية فرعا.
وعلى هذا نبه ربانيو هذه الأمة وسادتها ومربوها من السلف الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم، قال سيدنا إبراهيم النخعي رحمه الله (تـ 95 هـ) وهو أحد كبارهم: “ليس الخشوع بأكل الخشن ولبس الخشن وتطأطؤ الرأس! لكن الخشوع أن ترى الشريف والدنيء في الحق سواء، وتخشع لله في كل فرض افترض عليك”[17].
وقال سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه: “الخشوع في القلب، وأن تلين كفّيك للمرء المسلم، وألاّ تلتفت في صلاتك”[18].
هكذا إذن يرتبط الأمران في الخشوع، مراعاة أمر الله وحقوق الخلق معا.
ومعنى ذلك أن للخشوع إلى جانب ما سبق تأثيرا خاصا في حياة الناس ومعاملاتهم، وأثرا إيجابيا كبيرا في مجتمعاتهم سلاما وأمنا واستقرارا.
وبه يتبين كذلك أن الخشوع ليس بالعمل الهين ولا السهل، فهو يحتاج للتحقق به إلى يقظة تامة ومجاهدة وكفاح، واتخاذ لأسباب استدامته وترسيخه، وهي أمور كثيرة اشتغل العلماء ببيانها وتحديدها، ونص العلامة ابن الحاج المالكي (تـ 737هـ) على إحدى أهم مرتكزاتها فقال رحمه الله: “والغالب أن هذا قل أن يحصل إلا مع كثرة الخلوات، فالخلوة نور ذلك كله وبهاؤه، وعليها تقرر الأحوال السنية، والمراتب العلية، فليشد المريد يده ليحصل ما يترتب عليها من البركات”[19].
والمراد بالخلوة الاختلاء بالنفس ودوام مراجعتها ومحاسبتها وتذكيرها وشحذ الهمة لضبطها والتحكم فيها.
ولاشك أن ما كان هكذا يكون من السهل ذهابه واندثاره، وهذا هو بالضبط شأن الخشوع وحقيقته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول ما يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى لا ترى فيه خاشعا»[20].
والمقصود برفع الخشوع ذهاب أوعيته والمتحققين به، فإذا ذهبوا غاب المرجع والمثال، فلا يتأتى للناس عمل بالخشوع، بل ولا تصور له حتى، لارتباط الإنسان في العادة بالأنموذج، وهذا هو سر قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أِسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[21]
فهو صلى الله عليه وسلم سيد الخاشعين، ومرجع الربانيين، وقدوة المتبتلين,
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من عباده الخاشعين المتواضعين، القانتين المخبتين، الذين اصطفاهم لقربه وولايته، وأخلصهم لوده ومحبته، وأهَّلهم لمعرفته وعبادته، ووفقهم لشكره وطاعته.
اللهم احملنا في سفن نجاتك، ومتعنا بلذيذ مناجاتك، وأوردنا حياض حبك، وأذقنا حلاوة ودك وقربك، واجعل جهادنا فيك، وهمنا في طاعتك، وأخلص نياتنا في معاملتك.
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وآله.
والحمد لله رب العالمين.
———————————–
الهوامش
[1] – سورة الذاريات، الآية: 56.
[2] – سورة الإسراء، الآية: 3.
[3] – سورة ص، الآية: 30.
[4] – سورة يوسف، الآية: 24.
[5] – سورة ص، الآية: 45.
[6] – سورة الإسراء، الآية: 1.
[7] – سورة فاطر، الآية: 15.
[8] – سورة محمد، الآية: 38.
[9] – أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم.
[10] – سورة الأنبياء، الآية:90.
[11] – سورة الأحزاب، الآية: 35.
[12] – سورة الزمر، الآية: 23.
[13] – سورة الحديد، الآية: 16.
[14] – سورة الإسراء، الآية: 106 و109.
[15] – سورة البقرة، الآية: 45.
[16] – سورة المؤمنون، الآية: 1 و2.
[17] – تفسير القرطبي عند تفسير الآية 45 من سورة البقرة.
[18] – نفس المصدر والموضع.
[19] – المدخل لابن الحاج، أبي عبد الله العبدري الفاسي المالكي، دار التراث، ج3: 134.
[20] – مسند الشاميين للطبراني، أبي القاسم سليمان بن أحمد، (تـ 360هـ)، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، بيروت: مؤسسة الرسالة – الطبعة الأولى: 1405 – 1984، ج2/ 400.
[21] – سورة الأحزاب، الآية: 21.
[/et_pb_text][/et_pb_column][/et_pb_row][/et_pb_section]